فصل: مسألة أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يشتري بمال القراض قمحا فيقول له رب المال إني احتجت القمح لعيالي:

ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
قال: وقال مالك، في رجل يقارض الرجل بمائة دينار فيذهب فيشتري بها قمحا فيأتيه رب المال، فيقول: إني احتجت إلى قمح لعيالي فقاسمني هذا، أعطني نصفه واحبس نصفه فتبيعه ولك ربحه خالصا، قال مالك: لا خير فيه، قلت لابن القاسم: لم؟ قال: لمخاطرة الربح لعله لا يخرج إلا رأس ماله أو لعله ينقص أو لعله لا يربح إلا درهما فقد خاطره بما لا يعلم.
قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم معنى قول مالك وفسره. وهو تفسير صحيح يدل على صحته تعليلنا لقوله في المسألة التي قبل هذه، قال ابن حبيب في الواضحة: إلا أن يكون باعه ذلك بيعا بنصف رأس ماله الباقي فيكون ضمانه بعد من العامل فلا بأس به. وكذلك فسره، وقال ابن القاسم: ومعنى ذلك إذا باعه منه بنقد أو إلى أجل بأقل من ثمنه نقدا على ما مضى في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم، وعلى ما يأتي أيضا في رسم القطعان من هذا السماع، وبالله التوفيق.

.مسألة أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا فقام عليه غرماء لصاحب المال:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وقال ابن القاسم، في رجل أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا وخرج إلى طرابلس، فقام عليه بطرابلس غرماء لصاحب المال.
قال: فرق مالك بين أن يقوم عليه غرماء صاحب المال وغرماء العامل، فقال: إذا قام به غرماء صاحب المال بيع فأعطى العامل من ذلك حصته، وكان ما بقي لغرماء صاحب المال وإذا قام على العامل غرماؤه فأرادوا أن يباع فيأخذوا ربحه لأن فيه فضلا لم يبع حتى يحضر صاحب المال.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا قام على العامل غرماء صاحب المال بيع فأعطى العامل من ذلك حصته وكان ما بقي لغرماء صاحب المال، معناه: إذا كان لبيعه وجه لا ضرر فيه على العامل، فإن كان عليه فيه ضرر لربح يرتجيه في أسواقه لم يبع عليه حتى تأتي أسواقه. وكذلك في تفسير ابن مزين وكتاب ابن المواز عن مالك: أنه لا تباع إلا أن يرى لذلك وجه ومصلحة. وهو معنى ما في المدونة.
وأما إذا قام على العامل غرماؤه فلا إشكال في أنه لا يباع المال عليه حتى يحضر صاحبه لأنه لا ربح له في المال حتى يرجع إلى رب المال رأس ماله.
وقد تكررت هذه المسألة والكلام عليها في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وفيها زيادة من قول أصبغ مشكلة قد مضى الكلام عليها هناك، وإنما لم تبع عروض القراض لغرماء العامل إذا قاموا عليه وصاحب المال غائب وإن كان فيها فضل بين لما على صاحب المال من الضرر في أن يفاصل عليه في القراض فيوقف ماله على يدي من لم يرض بأمانته ولو كان صاحب المال حاضرا لبيعت على العامل العروض لغرمائه فأخذوا حظه من الربح في الموضع الذي لو سأل صاحب المال أن تباع، فيأخذ رأس ماله كان ذلك له، والله الموفق.

.مسألة أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص:

ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك:
وعن رجل أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص. قال: أراه متعديا وأراه ضامنا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز لمن أخذ مالا قراضا أن يشتري به ظهرا فيكريه خلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه أجاز فيها من أخذ مالا قراضا أن يشتري به أرضا أو يكريها ويشتري به زريعة وأزواجا فيزرع لأنها تجارة من التجارات.
قال: إلا أن يكون خاطرا لذلك لظلم العمال، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، بل شراء الظهر للكراء أدخل في باب التجارة من أن يزرع به، فإذا لم يجز للمقارض أن يشتري بمال القراض ظهرا للكراء كان أحرى ألا يجيز له أن يشتري به أرضا أو يكتريها فيزرع فيها به، إذ ليس ذلك مما ينطلق عليه اسم التجارة بإطلاقه، وإذا أجاز له أن يشتري أرضا أو يكتريها ويزرعها بمال القراض فأحرى أن يجيز له أن يشتري به ظهرا للكراء.
فحمل القراض في هذه الرواية على التجارة المعروفة العامة. وحملها في المدونة على كل ما هو تجارة وإن لم يكن ذلك من عام التجارة إلا أن يأخذ القراض على أن يزرع به فلا يجوز ويكون أجيرا إن وقع.
قاله في المدونة، وقد قيل: إنه يجوز أن يأخذه بشرط أن يزرع به، وقع ذلك في كتاب ابن شعبان واختلف إذا شرط أن يزرع، فأجيز، وكره، وكذلك الكراء سواء.
فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ذلك لا يجوز بحال. وهو قوله في هذه الرواية.
والثاني: أنه يجوز بكل حال وهو أحد القولين في كتاب ابن شعبان.
والثالث: الفرق بين أن يشترط ذلك عليه أو لا يشترط، فإن اشترط عليه أن يزرع به لم يجز، وإن زرع به من غير شرط واشترى به ظهرا للكراء جاز، ولم يكن عليه ضمان. وهو قوله في المدونة. والله الموفق.

.مسألة مال القراض يقيم في يدي العامل سنين من قبل أن يتفاصلا:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب:
وقال مالك في مال القراض يقيم في يدي العامل سنين من قبل أن يتفاصلا، قال: يزكي رأس ماله وربحه مرة واحدة إلا أن يكون كان يدار فيزكي للسنين الماضية.
قال ابن القاسم: وكذلك العامل بالقراض بمنزلة سواء في نصيبه إذا كان يدار.
قلت: أرأيت إن كان رب المال مديرا والعامل غير مدير.
قال: يزكي أيضا لكل سنة مضت، وإن كان رب المال غير مدير والعامل مديرا فإنه يزكيه أيضا لكل سنة مضت.
قال محمد بن رشد: قوله في مال القراض يقيم في يد العامل سنين من قبل أن يتفاصلا إنه يزكي رأس ماله وربحه مرة واحدة إلا أن يكون كان مديرا فيزكي للسنين الماضية.
يدل على أن الحكم عنده في مال القراض لا يزكي إلا عند المفاصلة وإن أقام بيد العامل أعواما على ما في رسم أبي زيد وفي القراض من المدونة، فإن كان لا يدار زكاه زكاة واحدة حين البيع والانفصال، وإن كان يدار زكاه لكل سنة مضت قبل على قيمة ما كان بيده كل سنة زاد أو نقص.
وقيل: إنه إذا نقص لم يزكه للأعوام الماضية إلا على ما رجع إليه من النقصان.
وقوله: وكذلك العامل في القراض بمنزلة سواء في نصيبه إذا كان يدار، يريد: إذا كان القراض يدار فيزكي جميعه بربحه كله لكل سنة مضت منه، فتكون الزكاة قد حصلت على العامل في حظه من الربح كما حصلت على رب المال في رأس ماله وحظه من الربح.
وأما قوله إذا كان رب المال مديرا والعامل غير مدير فإنه يزكي لكل سنة مضت، فالمعنى في ذلك: إذا كان المال غائبا عنه أو حاضرا معه فغفل عن تقويمه مع ما يدير من ماله؛ لأن الحكم في ذلك إذا كان حاضرا معه أن يقومه في كل سنة ويزكيه مع ما يدير من ماله، قال ابن حبيب: بجميع ربحه، وقال ابن القاسم: في سماع أصبغ من كتاب الزكاة: بل بحصته خاصة من الربح ويخرج الزكاة عن قولهما جميعا من ماله لا من مال القراض.
وقوله: وإن كان رب المال غير مدير والعامل مدير فإنه يزكيه أيضا لكل سنة مضت، يريد: من مال القراض لا من مال نفسه؛ لأن العامل إذا كان مديرا فسواء كان رب المال مديرا تخرج الزكاة منه عند المفاصلة لما مضى من الأعوام، فيقع على العامل منها بقدر حصته من الربح، فإنما يستوي أن يكون المدير هو العامل أو رب المال في وجوب إخراج الزكاة عن الأعوام المتقدمة إن كانت لم تخرج منه الزكاة في كل عام عند حلوله، ويفترق في حكم إخراجها على ما بيناه وذكرناه، وبالله التوفيق.

.مسألة زكاة الفطرة عن عبيد القراض:

وسئل ابن القاسم: عن رجل أخذ من رجل عشرة دنانير أو خمسة قراضا فاشترى بها أربعين من الغنم فحال عليها الحول عنده؟ إن فيها شاة وإنها على صاحب المال، قلت: فإن باعها بعد ذلك بعشرين دينارا؟ قال: تقوم الشاة كم قيمتها من الثمن الذي ابتاع به الغنم فإن كان دينارا وكان رأس المال خمسة رد إليه أربعة في رأس ماله، واقتسما ما بقي.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة في هذه المسألة بعينها وإن كانت هذه أفسر وأبين منها، وكذلك قال في المدونة في زكاة الفطرة عن عبيد القراض إنها على رب المال، يريد: أنها تحسب عليه من رأس ماله كزكاة الغنم.
ووقع في بعض الكتب في زكاة الفطرة عن عبيد القراض أنها على رب المال وليس من مال القراض، وهو قريب من الأول؛ لأنها إذا عدت من رأس ماله فقد أخذت من ماله.
وأشهب يقول في زكاة الفطر عن عبيد القراض: إنها كزكاة مال القراض يكون على العامل منها بقدر ماله فيهم من الربح إن بيعوا بربح.
وقال ابن حبيب في مسألة الغنم هذه: إنها مجتمع عليها من رواية المدنيين والمصريين؛ لأن الذي يؤخذ منها هو نقصان منها، فهو كشيء استحق من رأس المال وزكاة الفطرة، ليست في رقاب الرقيق ولا نقصانا من عددهم، وإنما أجعل أنا فطرتهم كنفقتهم من جملة مال القراض يجبر من الربح ويكون رأس المال بحاله وهو الذي قال ابن حبيب: ليس ببين لا فرق في القياس بين المسألتين.
وقد ساوى عبد الله بن عبد الحكم بينهما، فقال: إنهما كالنفقة تجبر من الربح ويكون رأس المال على حاله. وهو الأظهر لأن العامل أدخل ذلك على رب المال إذا اشترى بماله عبيدا أو دواب ينفق عليهم ولم يشتر سلعا لا ينفق عليهم.
ويتحصل في هاتين المسألتين أربعة أقوال:
أحدها: أنهما جميعا ملغاة كالنفقة، وهو قول عبد الله بن الحكم.
والثاني: أنهما يؤخذان من مال القراض ويجب على رب المال في رأس ماله، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية ومذهب مالك في المدونة واختيار ابن حبيب.
والثالث: أنهما يؤخذان من رب المال لا من مال القراض بمنزلة زكاة مال القراض إذا كان رب المال مديرا والعامل غير مدير وهو الذي وقع في بعض روايات المدونة من قوله في زكاة الفطرة عن عبيد القراض أنهما على رب المال في ماله وليس من مال القراض.
والرابع: الفرق الذي ذهب إليه ابن حبيب بين المسألتين، والله الموفق.

.مسألة النفقة للمقارض في المال القليل إذا كان السفر قريبا:

ومن كتاب التفسير:
قال ابن القاسم: في المال الذي يحمل الكسوة والطعام إذا كان قليلا ويخرج إلى مثل الأرض ودمياط ونحوها في اليمن والصوف والجزر وما خرج له فإنه يأكل منه ولا يكتسي، وإذا كان قليلا وأراد مكانا بعيدا فلا كسوة فيه ولا طعام وإذا كان المال كثيرا وكان السفر قريبا مثل دمياط ونحوها ففيه طعام وليس فيه كسوة إلا أن يكون يريد مقاما مثل أن يشتري الحبوب وغيرها فيقيم الشهرين والثلاثة فإن ذلك سفر وإن قرب المكان، قال: وإنما ينظر إلى المال ونحوه بقدر السفر والحاجة إليه ينظر إلى المكان الذي يريد إليه وإلى النفقة فيكون ذلك على ما يرى ولم يحد لنا فيه حدا.
قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه الرواية النفقة للمقارض في المال القليل إذا كان السفر قريبا، وذلك خلاف ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة من أنه لا نفقة للعامل في المال القليل ولا ركوب ولا كسوة، وإن كان السفر قريبا ولم يحد في هذه الرواية ولا في الواضحة قدر قليل المال من كثيره ولا قدر قريب السفر من بعيده، والقليل من المال يختلف فيكون بعضه أقل من بعض، وكذلك القريب من السفر يختلف فيكون بعضه أقرب من بعض، فإنما في ذلك الاجتهاد كما قال في الرواية بأن ينظر إلى المال ونحوه وإلى قدر السفر ونحوه، فإن كان يحمل النفقة ذلك المال على قلته في ذلك السفر على قربه كانت النفقة فيه، وإلا فلا.
وقد روى أشهب عن مالك فيمن دفع إليه خمسون دينارا قراضا فشخص فيها، أيكون له فيها نفقة؟ فقال: نعم، وما أقل ما تحمل هذه من النفقة إلا إن شخص إلى المكان القريب وفي هذا بيان ما يعتبر به، وبالله التوفيق.

.مسألة دفع الرجل إلى الرجل وإلى عبده مالا قراضا:

وإذا دفع الرجل إلى الرجل وإلى عبده مالا قراضا، فإن كان إنما يجعل العبد ليكون على الآخر عينا وليحفظ عليه أو ليعلمه فلا خير فيه، وإن كانا أمينين تاجرين، وإن كان العبد أدنى عملا من الآخر فلا بأس به إذا لم يكن ما ذكرت.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذا كانا أمينين تاجرين فذلك جائز وإن كان الرجل أبصر بالتجارة من العبد لأن الرجل يجوز أن يدفع إلى عبده مالا قراضا على ما قاله في المدونة وغيرها، فإذا جاز ذلك جاز أن يدفعه إليه وإلى غيره على أن يشتركا في العمل به وإن كان أحدهما أبصر بالتجارة من صاحبه لأن الشركة جائزة في التجارة بين الرجلين، وإن كان أحدهما أقعد بها من الآخر، وفي الصناعة، وإن كان أحدهما أصنع من الآخر، إذ لابد أن يكون التجار بعضهم أتجر من بعض والصناع بعضهم أصنع من بعض.
وأما إن كان العبد غير بصير بالتجارة فدفع إليهما القراض ليعلمه التجارة أو كان الرجل غير أمين فدفع إليهما المال ليكون العبد عليه عينا في حفظه لا يجوز ذلك، فإن وقع الأمر على هذا ولم يعثر عليه حتى فات بالعمل رد الرجل في عمله إلى إجارة مثله، وذلك إذا قامت البينة أن عملهما كان على هذا الوجه أو تقارا بذلك صاحب المال والرجل طلبا للحلال، وأما إذا اختلفا في ذلك فادعى أحدهما الإفصاح بأحد الشرطين وأنكره الآخر فالقول قول من ادعى الصحة منهما إلا أن يكون مدعي الفساد هو الذي يشبه قوله بما يعلم من صفة حال العبد والرجل فيكون القول قوله، وأما إن قال السيد: كانت تلك نيتي ومقصدي وإرادتي، وقال الرجل: لم أعلم بذلك من مقصدك، وإرادتك، ولو علمت لما دخلت معك فيه لوجب أن ينظر، فإن كانت إجارة مثله أكثر من حصته من الربح وفاه ذلك؛ لأنه مقر له به، وإن كانت مثلها أو أقل لم يكن عليه شيء، وبالله التوفيق.

.مسألة قارض رجلين معا صفقة واحدة فخرجا إلى بلد فمات أحدهما:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
وسئل ابن القاسم: عن رجل قارض رجلين معا صفقة واحدة فخرجا إلى بلد فمات أحدهما فاشترى الآخر بجميع المال، فإن صاحب المال بالخيار إن شاء كان على قراضه، وإن شاء ضمنه لأنه لم يكن له أن يشتري شيئا إلا بإذن صاحبه حين مات شريكه في القراض فلما اشترى كان متعديا، قلت: فإن كان اشترى قبل أن يموت ببعض المال أو اشتريا بالمال كله كيف الأمر فيه؟ أو هل لورثة الميت من الميت من الربح شيء فيما اشترى شريك صاحبهم بعد موته أو قبل موته؟ قال: إن اشترى بالمال كله قبل موته فهما على قراضهما وقد تم القراض بينهما ويقوم ورثة الميت معه في بيع المال أو يقوموا أمينا يقوم فيه، وإن كانا اشتريا ببعض وبقي بعض فورثة الميت شركاء فيما اشترى قبل موت صاحبهم يقومون معه، وما اشترى بعد موت صاحبه فهو على ما فسرت لك، صاحبه بالخيار إن شاء كان على قراضه فيما اشترى بعد موت صاحبه، وإن شاء ضمنه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها. وقوله: إذا اشتريا بالمال كله قبل موته إن القراض قد تم بينهما، معناه: قد لزم، إذ لا يتم القراض إلا بنضوض المال.
وقوله: ويقوم ورثة الميت معه في بيع المال. معناه: إن كانوا أمناء وهم محمولون على غير الأمانة حتى يعلم أنهم أمناء، بخلاف ورثة المساقي إذا مات قبل تمام عمل المساقي وهم محمولون على الأمانة حتى يعلم أنهم غير أمناء، فإن لم يكن ورثة الميت من المقارضين في مسألتي أمناء ولا أتوا بأمين انسلخوا من القراض، ولم يكن لهم فيما تقدم من عمل موروثهم فيه شيء.
وإن كان في المال ربح لم يكن لهم فيه حق، قاله في المدونة وغيرها وهو صحيح؛ لأنهم قد مكنوا من الوصول إلى حق موروثهم فيما عمل لئلا يخسروه فتركوه؛ لأنهم نزلوا بمنزلته في ذلك ولم ينزلوا بمنزلته في إلزامهم العمل في ماله إلى أن ينض المال؛ لأن العمل إنما كان متعينا في عينه لا في ذمته، وفارق في ذلك حكم الأجير يستأجر على عمل الشيء فيموت قبل تمامه أنه ليس للورثة أن يكملوا العمل ويستحقوا الأجرة من أجل أنه يجب له حقه فيما مضى من عمله. وهذا كله ما لا خلاف فيه.
وقد ذهب اللخمي في التبصرة له إلى أنه إن كان في المال ربح يوم مات المقارض فترك الورثة العمل فيه لم يبطل حقهم فيما عمل موروثهم، على قولهم في الذي يجعل له الجعل على حفر البئر فيترك العمل باختياره قبل أن يتم حفرها إن الجاعل إن استأجر على تمام حفر البئر أو جاعل أحدا على ذلك كان للأول بقدر ما انتفع به من عمله على الاختلاف فيما يكون له من ذلك إن كانت قيمة عمله يوم عمله، أو يوم انتفع به صاحب البئر، أو قدر ما انحط عنه من الجعل عليها أو الاستئجار بسبب ما تقدم فيها من عمله.
قال: لأنه إذا لم يبطل حق المجعول له فيها بتركه العمل باختياره فأحرى ألا يبطل حق المقارض فيما عمل بموته؛ لأن من حيل بينه وبين التمام أعذر في ألا يبطل عمله، وليس ذلك بصحيح.
والفرق بين المسألتين بين وهو أن القراض يلزم المتقارضين بعمل العامل، فإذا اشترى بالمال لزمه البيع والتقاضي، وإذا لزمه ذلك كان من حق صاحب المال أن يقول له: إما أن تبيع وتقتضي، وإما أن تنسلخ من القراض وتترك حقك فيما عملت، والمجعول له على حفر البئر لا يلزمه بالشروع في حفرها تمامها إذ من حكم الجعل ألا يلزم المجعول له التمادي على العمل، وإذا لم يلزمه ذلك كان من حقه أن يترك تمام حفرها ويكون على حقه فيما حفر منها إن انتفع بذلك صاحبها، ولو مات المجعول له قبل تمام حفر البئر نزل ورثته بمنزلته وكان من حقهم أن يتموا حفرها ويستوجبوا الجعل أو يتركوا حفرها ويكونوا على حقهم فيما حفر موروثهم منها إن انتفع بذلك صاحبها، فليس حكم الجعل حكم القراض، بل لكل واحد منهما حكم على حياله؛ لأن القراض لا يلزم المتقارضين بالعقد ويلزمهما جميعا بالعمل، والجعل لا يلزم المجعول له بحال.
واختلف في الجاعل، فقيل: إنه يلزمه بالعقد، وقيل: لا يلزمه إلا بشروع المجعول له في العمل، والجعل لا يكون إلا معلوما، بخلاف القراض الذي إنما يعمل فيه المقارض على أجر غير معلوم، وهو الجزء الذي يشترطه من الربح، وإنما يستويان في أن المقارض لا يجب له الربح إلا بعد تمام العمل بتنضيض المال كما أن الجعل لا يجب للمجعول له إلا بتمام العمل، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر في جميع الوجوه، وبالله التوفيق.

.مسألة قارضه بمائة دينار فاشترى سلعة بمائة دينار واستسلف مائة أخرى:

وقال ابن القاسم: ولو أن رجلا قارض رجلا بمائة دينار فاشترى سلعة بمائة دينار فلم يكن معه المائة الدينار فاستسلف مائة دينار من صاحب المائة أو من رجل أجنبي على أن يقضيه المائة التي في البيت التي أخذ قراضا فباع تلك السلعة قبل أن يقضي صاحب المائة مائته بربح واشترى بعد ذلك بالمائة التي في البيت سلعة فباعها بنقصان وباع السلعة التي اشترى بالمائة السلف بربح هل يجبر نقصان هذه بربح هذه؟ قال: إذا كان اشتراؤه إياها على المائة القراض فالربح بينهما على ما تقارضا ونقصان المائة القراض يجبر بربح المائة السلف.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، ولو اشترى السلعة الثانية بالمائة التي في البيت قبل بيع السلعة الأولى لكان نقصان الثانية منه إن بيعت بنقصان؛ لأنه متعد إذا اشترى بها، ومسلف المائة أحق بها، بخلاف ما لو اشترى السلعة الثانية بعد أن باع الأولى؛ لأن في يديه مائتين مائة القراض يؤديها في ثمن هذه السلعة ومائة أخذها في السلعة الأولى يؤديها في السلف، وقد مضى هذا المعنى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة دفع إلى رجل مالا قراضا فسأله ماله فجحده حينا ثم زعم بعد ذلك أنه قد قضاه:

ومن كتاب أسلم وله بنون صغار:
وسئل ابن القاسم: عن رجل دفع إلى رجل مائة دينار وجعل الآخر خمسين على أن يشخص صاحب الخمسين ويكون الفضل بينهما على النصف، فضرب بالمال ثم قدم، فلما قدم سأله صاحب المائة عن ماله، فقال: لم تعطني شيئا، فجحده حينا، ثم قال بعد ذلك: تلف مني.
قال ابن القاسم: دفع ناس من أهل المدينة إلى رجل كان إلى الجار مالا يسلفه إلى الجار ويدفعه إلى أقوام سموا له فخرج بالمال ثم رجع إليهم فسألوه عما صنع في المال أو قدم الذين سير إليهم المال فأخبروا أنه لم يدفع إليهم شيئا فسألوه عن المال فجحده، وقال: لم تبعثوا معي بمال ولم تدفعوا إلي شيئا، فأقاموا عليه البينة بدفع ذلك إليه فلما شهدت عليه البينة، قال: ضاع مني فاختصموا عند ذلك. فرأى مالك أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه ضاع ثم يبرأ ولا شيء عليه.
فأرى مسألتك مثلها يحلف صاحبك بالله الذي لا إله إلا هو: إن ضاع ولا شيء عليه، قال عيسى: إذا جحد حتى قامت عليه البينة ثم زعم أنه ضاع منه لم يصدق وغرم. وكذلك بلغني عن مالك.
وسئل ابن القاسم عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فسأله ماله فجحده حينا ثم زعم بعد ذلك أنه قد قضاه، قال: إن لم يأت بالبينة على أنه قضاه غرمه، وليس من ادعى القضاء مثل من زعم أنه ضاع، وفي سماع ابن القاسم عن مالك في كتاب أوله حديث طلق بن حبيب، قال مالك: ما أرى عليه إلا يمينه بالله ويبرأ.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في مواضع، منها ما في سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات. وما في سماع عيسى من كتاب الشركة.
ووقع الاختلاف فيها هنا مجموعا، فتحصل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يصدق مع يمينه بعد الإنكار في دعواه الرد والضياع.
والثاني: أنه لا يصدق في ذلك بعد الإنكار.
والثالث: أنه يصدق في دعواه الضياع ولا يصدق في دعواه الرد، ومن هذا الأصل من ملك امرأته بكلام يقتضي التمليك فقضت بالثلاث فأنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق ثم قال: أردت واحدة، قيل: إنه لا يصدق أنه أراد واحدة بعد أن زعم أنه لم يرد بذلك الطلاق، وقيل: يصدق في ذلك مع يمينه، والقولان في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك.
ومن هذا الأصل أيضا أن يدعي على الرجل دعوى فينكرها، فلما قامت عليه البينة جاء بالمخرج منها من بينة على البراءة أو دعوى لو جاء بها قبل الإنكار لقبلت منه وما أشبه ذلك.
فقيل: إن ذلك لا يقبل منه؛ لأنه قد كذبه أولا بجحوده. وقيل: إنها تقبل منه، وقيل: إنها لا تقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى رؤية بعد إنكاره القذف وأراد أن يلاعن وما أشبه اللعان من الحدود، وهو قول محمد بن المواز.
وقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في الحدود والأصول ولا يقبل منه في الحقوق، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدونة.
فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: بالتفرقة بين الحدود وما سواها في ذلك وبين الحدود والأصول وما سواهما، وبالله التوفيق.

.مسألة المضارب في المال يستسلف من المال فيبتاع الجارية فيطأها فتحمل:

ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته:
وسألته: عن المضارب في المال يستسلف من المال فيبتاع الجارية فيطأها فتحمل، أو تعدى على جارية قد اشتراها من مال القراض فيطأها فتحمل، هل هذان الوجهان عندك سواء؟
قال: أما في الاستسلاف فقد علمت قول مالك، وأرى أن يؤخذ منه ما اشتراها به من مال القراض إن كان مليا، وإن كان معدما اتبع به دينا، وأما إذا عدا عليها بعد أن اشتراها فإني لا أراه مثله، وأرى أن تباع إذا لم يكن له مال.
قال عيسى: ويتبع بقيمة الولد دينا إلا أن يكون في القراض فضل فيكون بمنزلة من وطئ جارية بينه وبين آخر لأن له في الجارية شركا بفضله فإن كان مليا قومت عليه، وإن كان معدما خير رب المال فإن شاء أخذ من الجارية قدر نصيبه منها واتبعه بما يصيبه من قيمة الولد، وليس له فيما نقصها الحمل والوطء قليل ولا كثير، وإن أبى بيع له نصيبه منها فإن نقص ما بيع به نصيبه منها من قيمة ذلك النصيب يوم وطئها اتبعه بذلك النقصان وبنصيبه من قيمة ولدها دينا عليه.
قال ابن القاسم: وإذا كره جميع هذا وضمنه قيمة نصيبه منها فليس له من قيمة ولدها ولا ما نقصها الوطء قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم لا قسامة في العبيد من سماع ابن القاسم، وتكلمنا هناك على توجيه الاختلاف الحاصل في هذه المسألة بين مالك وابن القاسم في وجوب بيع الجارية إذا وطئها المقارض فحملت ولا مال له فلا وجه لإعادته.
ولا اختلاف بينهم إذا عدا عليها بعد أن اشتراها للقراض فوطئها فحملت ولا مال له في أنها تباع كما قال ابن القاسم، يريد: أنها تباع فيما لزمه من قيمتها يوم حملت أو يوم وطئها على الاختلاف في ذلك؛ إذ قد قيل: إن القيمة في ذلك يوم الوطء. وقيل: يوم الحمل. وقيل: ربها مخير بين أن يقومها عليه يوم الوطء أو يوم الحمل. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في وجوب تقويمها عليه إذا وطئها فلم تحمل، فإن نقص ثمنها الذي بيعت به من قيمتها يوم حملت أو يوم وطئها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك اتبعه بما نقص يومئذ.
وقول عيسى بن دينار إنه يتبع مع ذلك بقيمة الولد دينا هو على القول بأنها تباع عليه في قيمتها يوم الحمل. وفي ذلك اختلاف. قيل: إنه لا يتبع بقيمة الولد.
وأما على القول بأنها تباع عليه في قيمتها يوم الوطء، فلا خلاف في أنه لا يتبع بقيمة الولد؛ لأن الولد إنما حدث في الوطء الذي حملت به بعد وجوب القيمة عليه في الوطء الأول. هذا إذا تحققنا إن الحمل من الوطء الثاني. وهذا كله إذا لم يكن في الجارية فضل على رأس المال.
وأما إن كان فيها فضل، فقول سحنون المتقدم في سماع ابن القاسم: إنه يباع منها لرب المال بقدر رأس ماله وحصته من الربح ويكون ما تبقى منها بحساب أم ولد للمقارض.
وذهب عيسى بن دينار إلى أن الحكم في ذلك حكم الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ولا مال له. وفي ذلك اختلاف كثير. يتحصل فيه ثمانية أقوال:
أحدها: أنها تقوم عليه يوم حملت ويتبع بالقيمة دينا وتكون له أم ولد ولا يتبع بقيمة الولد.
والثاني: أنها تقوم عليه أيضا يوم حملت ويتبع بالقيمة دينا وتكون له أم ولد ويتبع أيضا بقيمة الولد.
والثالث: أنه يباع عليه نصيب الشريك فيما لزمه من قيمتها، فإن نقص ذلك عما لزمه من نصف قيمتها اتبعه بما نقص من ذلك وبنصف قيمة ولدها إن كانت بينهما بنصفين.
والرابع: مثل الثالث، في البيع إلا أنه لا يتبعه بشيء من قيمة الولد.
والخامس: أنه مخير بين أن يتمسك بنصيبه ويتبعه بنصف قيمة الولد وبين أن يقومها عليه ويتبعه بنصف قيمتها دينا عليه مع نصف قيمة الولد.
والسادس: أنه يخير أيضا بين أن يتمسك بنصيبه ويتبعه بنصف قيمة الولد وبين أن يقومها عليه فيبيعه بنصف قيمتها دينا عليه ولا شيء له عليه من قيمة الولد.
والسابع: أنه مخير بين أن يتمسك بحظه منها ويبيعه بنصف قيمة الولد وبين أن يباع عليه حظه منها فيما لزمه من نصف قيمتها، فإن نقص ما بيع به عما لزمه من نصف قيمتها يوم وطئها اتبعه بما نقص من ذلك وبنصف قيمة الولد، وهو قول عيسى بن دينار في هذه الرواية.
والثامن: مثل القول السابع غير أنه لا يتبعه بنصف قيمة الولد، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية.
وقول عيسى بن دينار: إنه إن اختار أن يأخذ من الجارية قدر نصيبه فليس له مما نقصها الحمل والوطء قليل ولا كثير، هو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في كتاب الحدود في القذف من المدونة، خلاف المشهور من مذهبه في أن من جنى على رجل في ثوبه جناية كثيرة فهو مخير بين أن يضمنه قيمته وبين أن يأخذه وما نقصته الجارية.
وأما قول ابن القاسم إنه إذا ضمنه قيمة نصيبه فليس له مما نقصها الوطء قليل ولا كثير فلا يستقيم، وهو كلام وقع على غير تحصيل، إذ لا يصح أن يضمنه قيمة نصيبه معيبا بعيب الوطء، وإنما يضمنه إياه سالما منه، وإنما ضمنه إياه سالما منه فقد حصل على ما نقصها الوطء. وهذا بين وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.